مسعود العمارتلي .. فنان الريف العراقي.
مسعود العمارتلي .. فنان الريف العراقي.
بقلم: رياض محسن المحمداوي.
لاول مرة في التاريخ الحديث.. القصة الحقيقية لحياة
مسعود العمارتلي .. فيها الحقيقة الكاملة لحياة مبدعة عراقية كبيرة كانت لها اهم بصمة
في تاريخ الغناء العراقي الريفي .حقيقة بشهادة الشهود ؟ انها القصة الحقيقية والتي
حدثت في زمن ما وظلت مطوية طي الكتمان . والتي رواها لي احد الاقرباء واخر الاحياء
الذين عاصروا مسعود وعاشوا معه تلك الاحداث.
فقد ان الاوان ان تظهر جميع الحقائق والاشياء الغامضة
حول حياة فنانة الشعب العراقي المبدعة مسعوده
اومسعود العمارتلي والتي ناظلت من اجل حريتها ومن اجل ان يصل فنها وصوتها إلى اسماع
الناس وان يكون لها بصمة ومكانآ في تاريخ الغناء العراقي الريفي لاول مرة. حياتها وظروف
وفاتها .
مسعودة..هي فنانة متمردة على العادات والتقاليد
العشائرية المتعصبة . فحققت وباصرارمالم يحققه احدآ من قبلهأ من نساء جيلها
وبمساعدة رجل احب فن الغناء والشعر والادب احب صوتها فكان السبب الاول في تحررها
وشهرتها رجل كسر طوق عبوديتها بعد ماامن بان هذا الصوت لاينبغي ان يكون تحت اربع
جدران .انه الشيخ جاسم محمد العريبي امير قبائل البومحمد رحمه الله. مسعودة
اومسعود الذي احد اكبر الاصوات المعجزة في عالم الغناء الريفي العراقي بل هو
المفتاح الاول لانطلاق الغناء الريفي الذي ترك لنا ارثآ غنائيآ ثري . مسعود اول امراءة
متحررة تقف في وجه المجتمع الريفي والعشائري العراقي لتقول لا. لعاداته وتقاليدة التي
ظلمت المراءة وحالت بينها وبين الحرية والمساوات مع الرجل .
في مساء شهر تموزعام 1912 في مدينة العمارة مركز
محافظة ميسان التاريخية العريقة. والمعرفة بموطن السومريين والاصالة والتاريخ وتحديدآ
في ناحية الكحلاء .والتي كانت احدى اكبرالمقاطعات الفلاحية للشيخ المغفور له باذن الله
محمد العريبي امير ميسان ورئيس قبائل البومحمد انذاك . اعلن عن ولادة طفلة يتيمة الاب
من قبل الداية العمياء حمدية .سميت بمسعودة. والتي تحول اسمها بعد ذلك من اشهر الاسماء
في تاريخ العراق الفني الحديث (بمسعود العمارتلي.) عاشت الطفلة مسعوده ومنذ طفولتها عاشقة للغناء والطرب الاصيل . متاثرة
بمسقط رائسها الريفي الذي يحمل كل خبايا الجمال. وخصوبة الارض. ووفرت المياه .ونشات
تحفظ وتنظم الشعروتؤدي الأبوذية والبستات الريفية .ولكونها عاشت يتيمة الاب تعيش مع
امها التي هي احدى جواري الشيخية فتنة الزوجة الثانية للشيخ محمد العريبي اميرميسان.
وقد تربت مع الشيوخ معززة مكرمة وكنات قريبة من الشيخ المغفور له باذن الله جاسم بن
الشيخ محمد العريبي البكرالذي كان رجل محبوب يعشق الشعروفن الغناء وقد قرب اليه في
مجلسه الشعراء والادباء والفنانيين. وقدعاشت الفتاة مسعودة طفولتها في هذا البيت الكريم الذي يتوافد عليه كافة
فئات الناس المهمة من شيوخ ومسؤلين وشخصيات
رفيعة المستوى وضيوف من خارج البلاد وداخلها ومن كل صوب طلبآ لمظيف الشيخ محمد العريبي
والذي يعتبر من اشرف البيوت واعلاها مكانة ورفعة في محافظة ميسان. فعندما كبرت مسعودة
وكبر معها حب الغناء اصبحت احدى خادمات الشيخة
فتنة المقربة والمدللة والتي كانت تحبها وترعاها. فكانت الشيخة فتنه تملك سلطة مطلقة
وكانت قوية الشخصية وداهية في السياسة والذكاء حتى يقال انها كان يستعين بارائها كبارالساسة
والشخصيات العراقية في العهد الملكي .ويقال انها كان لها دور فعال في العديد من القرارات
السياسية في تاريخ وزارت نوري السعيد وصالح جبر وغيرهم. حتى ان يوما ما استعان برئيها
الملك فيصل ملك العراق .فهذه الشخصية لعبت الكثير في حياة مسعوده(مسعود العمارتلي)
فقد نشاءت مسعودة في هذا البيت الثري وكثير الشرف والرفعة مماكان يتمتع به الشيخ محمد
العريبي من سمعة في الداخل والخارج فقدكان من كبراء الاعيان وشغل مناصب عديده في مجلسي
النواب والاعيان العراقية في الزمن الملكي والذي كان يعامل خدمة وحاشيته معاملة حسنة
وكريمة ومن ضمن هذه الحاشية كانت الفتاة اليافعة السمراء مسعودة. فكان الشيخ يحب هذه
الفتاة الصغيرة لجمال صوتها مما زاد اهتمام الجميع بها فبذلك اصبحت مسعودة الفتاة المميزة
والمدللة بين الخدم والحاشية من قبل الاخرين وانتقل هذا الاهتمام لجميع من في قصر
الشيخ وباتت تحيي البعض من جلسات سمر
ومناسبات العائلة . بالوقت الذي اصبحت مسعودة يذاع صيتها بجمال وعذوبة صوتها الجميل
وغنائها الساحر وقد اهتم بها الشيخ جاسم بن الشيخ محمد العريبي الابن البكر من
الزوجة الاولى اهتمام كبير. وكان الشيخ جاسم من الشخصيات المحبوبة بين الفلاحين وجميع
ابناء العشائر لكونه نصير الفقير كريم يكرم الضيف ولايرد محتاج ويحمي الضعيف من القوي
وينصر المظلوم على الظالم ولايردسائل اضافة كان الشيخ جاسم من اهم الذين اهتموا بالفنانيين
والشعراء في ذلك الزمن وقربهم اليه وجزل عليهم العطاء وكرمهم وجعلهم من جلسائه المقربين
ومن بين هولاء الفنانه الشابة مسعودة التي عاشت طفولتها معه . فاصبحت تحيي حفلات السمر
مع الفنانيين الاخرين امثال نجم وجويسم وكريري وخلف لازم وغيرهم من عمالقة الاغنية
الريفية انذاك .والذين كانوا يجتمعون بمضيف الشيخ جاسم لاحياء اليالي الطربية لكون
الحياة تتوقف عند قدوم المساء. فيجتمع اهل العشيرة والفلاحين للتعلل في الغناء وسرد
الحكايات وحل القضايا العالقة. فاغاظ ذلك الشيخة فتنة زوجة ابيه الشيخ محمد لماوصل
اليها ان مسعوده تجالس الرجال جلسات السمر
والطرب والغناء وهذا يتعارض مع تقاليد العشيرة والعرف. فارسلت إلى مسعوده ومنعتها من
الذهاب لمجالس الغناء في مضيف الشيخ جاسم لانها بنت وهذا لايتناسب مع تقاليد العشيرة
مما جعل من مسعودة ان تتمرد على هذا القرار وتهربوتطلب حماية الشيخ جاسم وقد تدخل
الشيخ جاسم وطلب عفو الشيخه على مسعودة ولكن الشيخة رفضت وساطة الشيخ جاسم واصرت
ان مسعودة ممنوعة من الغناء كونها بنت من رعاياها. فماكان من الشيخ جاسم الا ان
اعلن تحريرها من العبودية والباسها لباس الرجال واعلانها رجل اسمه مسعود ومن حق
الرجل ان يجالس الرجال. وفعلآ لبست مسعودة الغترة والعقال وثياب الرجال واصبح
الجميع يناديها بمسعود العمارتلي. وكانت هذه الحالة فريدة من نوعها ان تسترجل
المراة وتجالس النساء في جنوب العراق المحافظ لكن استرجال مسعوده جاء بمساندة الشيخ جاسم الذي
احب صوتها وكان مؤمنآ ان هذا الصوت لايمكن ان يموت بين اربعة جدران فلابد ان يسمعه
الناس ويستمتع به وكان يدرك ان التاريخ سيخلد هذا الصوت يومآ ما . الا ان الشيخة
والعائلة والتقاليد كانت لهم نظرة غير ماينظر اليه الشيخ جاسم بعيدآ عن تلك
المعمعة . فكان هذا الرجل لايحب العبودية ويؤمن بالتحرر والمساوات بين الرجل والمراءة
في الانجاز فكان سابق لعصره في التفكير الحضاري.. وتعتبرتحول مسعودة الى مسعود هو اول
تمرد في تاريخ المراءة العراقية الجنوبية انذاك. فكان اول من دعم موقفها التحرري هذا
هوالشيخ جاسم محمد العريبي. وقد تاثرت بعض النساء في تصرف مسعودة وقد حذون
حذوها وقمن بمرافقتها ككورال من اجمل الاصوات سجلن معها جميع اغنياتها على اسطوانات
واذكر منهن المرحومة وشيشة والمرحومة حنينة والمرحومة رومية والمرحومة شكيله والمرحومة
باهيزه والتي هي مصدر معلوماتي قبل وفاتها رحمها الله . وقيل ان مسعود اعلن زواجه من
احد نساء . مما زاد غظب وغيظ الشيخة فتنة في الخروج عن العرف والتقاليد العشائرية المتبعة
انذاك .فاطلق لها الشيخ جاسم العنان في الغناء ولمس من مسعود فنانة كبيرة في الفطرة
ولها موهبة بنظم الشعر واللحن والغناء بشكل ملفت للانتباه فتعدت سمعة (مسعود العمارتلي)
إلى باقي محافظات الجنوب العراقية ووصل صيته إلى بغداد. التي احتظنتها وسجلت لها الكثير
من شركة الاسطوانات الكثير من الاغنيات واشتهرت اسطواناتها باسم مسعود العمارتلي
في العراق ولكن سرعان ما انتكس مسعود العمارتلي بعد فترة من الزمن عندما توفي الشيخ
جاسم اثر نوبة قلبية مفاجئة فرثاه الشعراء والفنانيين والناس ومن بينهم مسعود الذي
غنى اغنيته المشهورة (مامات عدل لاتكولونش مات يشمت عدوه .. موش بيدي بيد ربي
الموت قوه) وشاركه الغناء مطربين الريف جاسم وكريري وخلف لازم اثناء تشييع جثمانه
رثوه بالاغنية الشهيرة (نايم المدلول حلوة نومته مسلهم اعيونه وناشر كذلته) حزنآ على
هذا الشيخ الكريم الذي احتضنه وخلصه من عبوديته وكرمة وجزل له العطاء ووفر له الحماية.الذي
اصبح اليوم من غيرها بعد وفاة الشيخ جاسم. فانتقل مسعود للعيش في بغداد بعد ان دعي
من قبل شركة اسطوانات زيلفون وجقمقجي وغيرها لتسجيل اغانيه والتي اشتهر بها شهرة واسعة
التي استمدها من روح الارض وجمال الريف الذي عاش وتررع فيه . وقد سجل العديد من هذ
الاغاني ومنها(سكينة . طش وآنه الم . طب دشر توه . عزيزين . كصيت المودة . براضه أمشي
براضه . حبيبي طر الفجرزتني . سوده شلهاني . ذبي العباية . خدري الجاي خدري . محمد
بويه محمد مخاطبآ الشيخ محمد العريبي علمآ ان كل اغنية يذكر فيها محمد هي منسوبة وموجه
للشيخ محمد. كما غنى اغنيات كثيره مثل .يانجم بسك عاد . بويه هلا. عزيزين.ابوجناغ.ابو
طويره اريد وياك مخاطبآ الشيخ خزعل امير الاهواز. والكثير الكثير من الاغاني التي لم
تسجل . واصبح مسعود مشهرا ويقيم الحفلات للشيوخ والاعيان وكبار الشخصيات العراقية انذاك
.ولكنه كان دائمآ يحس بخوف خفي وحنين يكاد ان يكون ملازمآ له لكونه فقد الرجل الذي
حماه ورعاه واعتقه من العبودية الشيخ جاسم.لكونه لايزال مطلوبآ بالرضوخ لعادات العشيرة
والمجتمع . وفي ضروف غامظة تعرض مسعود لمؤامرة
دنيئة من بعض حاسدية فدس له (كحل العين الحجري في الشاي) وقد اثر على صوته الجميل
الذي بداء يتلاشى شيْ فشيْ حتى كاد يختفي ؟.قتل ذلك الصوت الجميل الشادي الذي ملاء
الارض طربآ فعاش مسعود حزينآ منهار المعنويات مما سبب له ذلك الحزن امراضآ عديدة واهمها
مرض التدرن (السل) الذي كان منتشرآ انذاك .مماجعله يعيش في عزلة تامة مع فنه ومن الناس
الذين احبوا صوته.ولم يكن معه احد غير صديقة العمر وشيشه التي كانت ترعاه وتطببه وعند
سماع الشيخة فتنة بامرمرض مسعوده (مسعود) .ارسلت من جاء به من بغداد وعزلته في بيت
خاص واوكلت لها بعض خادماتها لرعايتها وكانت تزورها بين الحين والاخر وقد احظرت لها
طبيب العائلة الذي اعادها ولاكن بعد فوات الاوان . رجع مسعود العمارتلي الانسان الحر إلى مسقط راسه راجيآ الموت في ارض
ضمت اجساد الاهل والخلان وكان له ذلك.
توفيت الفنانة
العراقية الكبيرة مسعودة (مسعود) كما كان يحب ان ينادوه في مسقط راسها في الكحلاء عام
1944 مساءآ الاحد من شهر تموز وكانت المصادفة الكبرى ان والولادة والموت بفس الشهر.وقد
غسل وكفن ودفن في مسقط راسة بعد تشييع حزين من قبل عشيرتة ومحبيه. رحل مسعود العمارتلي الذي بات يحمل كنى الرجال رحلت الانسانة المتمردة
على واقعه مريرعاشت فيه حياة الرق . وبذلك سجلت انتفاضة مسعودة رفضها الواقع المرير
وثارت ضده فتجراءت باتخاذ اصعب قرارت حياتها حبآ بفنها وحريتها وايمانآ بموهبتها التي
ملاءت الدنيا بهجة وطربآ بغنائها ذوالطابع الحزين والذي يعكس ماكانت تعانية تلك المراءة
الثائرة. مما جعل الجميع ان يحترمها وينظر اليها نظرة الرجل الحرالذي اصبحت له مكانة
في المجتمع العراقي الذي كان يعامل المرآة كقطعة من اثاث البيت. فقد سجل لها التاريخ العراقي
الحديث كاول امرآة عراقية طالبت بالمساوات مع الرجل وقد حققت مالايحققه غيرها فنالت
باصرارها المجد والشهرة. ؟.. تحية لهذه المراءة العراقية السومرية الثائرة
الفنانه الكبيرة مسعود العمارتلي كما كانت تحب ان يطلق عليها ويخلد اسمها التاريخ
. فحين تزور مدينة الكحلاء تجد طيف مسعود يدور بين اشجارها وحقول سنابلها الذهبية وبين
مجاديف مشاحيفها يحمل صوته الريح الذي يميل طربآ لانغام مسعود والذي يحتظنه النخيل
الذي ارتوى من ثرى مسعود الذي يرقد جثمانه بين حناياه وطالما سمعه الزائر في ليل الشتاء
معلنآ جلسة سمر لاتنتهي حبآ وعشقآ لمدينة عاش يحبها وتحبه وقد نام جسده في ترابها النقي
الذي لايشبهه تراب في الارض . وداعآ مسعود الذي عاش فينا وسيعيش في اجيالنا بمعاناته
والتي جسدها لنا بانغام الحانة واغنياته التي لاتموت .
تعليقات
إرسال تعليق