النهر الثالث موسيقار الاجيال .فنان الشعب العراقي الملحن طالب القرغولي.

بقلم : رياض محسن المحمداوي.

قالها جدي ؟ .. لو يتذكر الزيتون غارسهُ لصار الزيت دمعاً يبكيه. فثمار الأرض تجنى كل موسم. ولكن ثمار الابداع تجنى كل لحظة ..طالب القرغولي .. هذا الاسم البهي الذي تشرف به تاريخ حاضرنا العراقي. والذي اصبح جزء رمزآ للحب والوفاء وللشجن والصورة المشرقة لزمن جميل كان فيه العراق وطن الجميع .. طالب القرغولي القادم من الجنوب نشاء فاصبح فسيلة كان وفايآ لاهله ووطنه .اصبح نخلة كبيرة من اجمل نخيل العراق .تحمل ثمرآ ذهبيآ لاتشبهه الثمار. فقد تفرد بروح النغم وعذوبة الحانه الخالدة التي صاغ منها قلائد للنجوم . شذرها من دموع العاشقين . طالب القرغولي الذي استطاع وحده ان يظفر جدائل الصبايا بنغم سومري ممزوج بوريقات القداح التي اثمرت قناديل وشموع من نذور الحالمين. ودموع المظلومين. وامل المحرومين . طالب الذي اصبح نهرآ ثالثآ ثالثآ يجري انغامآ عذبه ملأت الدنيا شنابل من حنين وامل ان يتعافى الوطن من جديد .

ففي اي مكان وزمان ..عندما يُذكرالنغم والغناء العراقي لابد ان يذُكرمعه اسم فنان الشعب العراقـي الكبير الموسيقار طالب القرغولي .. فهو العلامة المهمة والفارقة في تاريخ الموسيقى والغناء العراقي. ونقطة التحول للحداثة والابداع في تاريخ الاغنية العراقية الحديثة . ومدرسة مهمة في عالم الموسيقى والغناء والالحان والتي لاتزال مقترنة باسمه والتي لاتزال تثمر بالعطاء . وقد اصبحت الهوية الحقيقية للاغنية العراقية الحديثة والتي تحمل بين طياتها روح العراق. من جنوبه لشماله وشرقه وغربه بنخيلة واطيافه وهموم ابنائه. روح تعبر عن ماتخفيه القلوب من شجن وحنين وحزن لاتشبهها الاحزان .

لقد قدم هذا الفنان العراقي الكبير الى بغداد جاذباً معه الشَّاعر الشَّعبي زامل سعيد فتاح عام 1983..من مدينة الناصرية مهد الحضارة والشعر والتاريخ . تلك المدينة السومرية التي عاش معها عشق ابدي للشعر والموسيقى والغناء والتي تروي للبشرية قصص عن قيثارة شبعاد ملكة اول من عزف النغم التي روت روح الارض بالسرمدية . والذي توارثه ابنائها من اجدادهم السومريين جيل بعد جيل . وقد شكل طالب وزامل ثنائي بهي في تاريخ الاغنية العراقية والذي لحن العديد مِن نصوصه الشعرية ومِن الأغاني الباقيات في الذاكرة العِراقية: اعزاز. وياليل. چذاب (كذاب). هذا آنه. ياخوخ يازردالي. حاسبينك. كبرنا وكبرت الدنيا. احاسيس زامل التي ترجمتها روح القرغولي. فاصبح هوهمزة الوصل التي بيننا وبين عبق التاريخ ووجع الحاضروالماضي والذي أرتسم عبر تاريخ تلك المدينة التليد وعلى مدى العصور منذ الاف السنين . فاصبح عشق ابدي اختلط بماء دجلة والفرات .. طالب القرغولي هذا الانسان والفنان الحقيقي .والذي اصبح مجده اليوم مرافقآ لاوجاع العراقيين اينما كانوا . لقد عاش القرغولي عصره الذهبي والذي ساهم في تطوير ورقي الاغنية العراقية مالايقل به شآن عن ما ساهم به موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب في حداثة وتطوير الاغنية المصرية العربية. فكانت ولاتزال مدرسته هي الارقى بين المدارس العراقية الحديثة وهو صاحب الكم الكبير من الالحان الخالده التي غنوها نجوم كثيرين من نجوم الوطن العربي امثال وديع الصافي ونجاح سلام وورده الجزائرية ووسوزان عطية وسميرة سعيد وامينه فاخت ودلال شمالي والكثيرين من نجوم العرب.ومن العراقيين امثال ياس خضر ورضا الخياط وسعدون جابر ورياض احمد وحسين نعمة وحميد منصور وهناء مهدي ومائده نزهت وفاضل عواد وصلاح عبد الغفور وستار جبار والكثيرين من نجوم العراق . واشهر الحانه الخالدة هي..

حاسبينك . كذاب . تكبر فرحتي . أتنه أتنه . روحي . البنفسج . آنة وأنت . هذا آنه وهذاك أنت . راجعين . عزاز . تايبين .آنه من حبيت . حنيت الك بالحلم . ياحبيبي . ياطير الشوق . وداعاً ياحزن . تعال لحبك . يا روحي چذاب الهوى . والكثير الكثر مما لحن هذا الفنان العملاق من الالحان الخالدة والذي سجل اغلبها بصوته العذب .

ثم تلت مدرسته مدارس مماثلة كمدرسة فاروق هلال في صنع الاغنية الشبابية ومدرسة الراحل الدكتور يحيى الجابري وغيرها من المدارس التي اسهمت في تطوير الاغنية العراقية الحديثة. مما انتج عن ذلك كم غزير في الإنتاج الفني ونقطة تحول مهمة في تاريخ الفن العراقي العريق كان مصدر الهامها القرغولي .. لقد شغل طالب القرغولي مناصب عديدة منها مدير الموسيقى والغناء في الاذاعة والتلفزيون العراقي .معاون مديرعام دائرة الفنون الموسيقية بوزارة الثقافة . اسس العديد من الفرق الموسيقية والانشادية في ايام الحرب العراقية الايرانية ولحن العديد من الاغاني الوطنية اشهرها . منصورة يابغداد .

ومن ذكرياتي مع هذا العملاق وبعد احتلال العراق عام 2003 والتي غادر فيها القرغولي العراق والتي كانت هذه بداية الوجع الحقيقي له لكونه الثري بحب العراق الجريح. حاله جال الكثيرين من مبدعينا. فكانت وجهته الى الامارات العربية المتحدة بدعوة ملحة من قبل الفنان المايستروالفنان علاء مجيد الذي احتضن هذا العملاق واوكلني به وبخدمته والسهر على راحته لكونه يعرف حبي له ولفنه ولتاريخه العريق. وهذا مازادني شرف كبير ان اهتم واخدم فنان وبيرق عراقي كالقرغولي. فشرفني بالسكن معي في شقتي المتواضعة في امارة الشارقة لاكثر من سنة. ففي اول الايام وعندما احس بتكلفي وحسابي لكل حركة اوكلمة مني معه. قال لي؟ رياض انت تلميذي وولدي ارجوك ان تتصرف في البيت كما كنت تتصرف دومآ ولاتنحرج من وجودي لانك تحسسني بالاحراج ايضآ. فكن طبيعيآ لاكون انا كذلك. واعلم اني رجل بسيط يحب البساطة والاختلاط ولايعرف حتى ان ياكل وحده ابدآ. وعندما تصرفت مثل مااراد. وجدته انسان محب للحياة والاختلاط مع الصغير والكبير لذيذ الحديث سريع البديهية وليد النكته فنان كبيرومثقف خطيريحب العراق اكثر من اي شيء في الدنيا . وبعدها بسنتين غادرالامارات الى سوريا وكنت متواصل معه على الدوام. وعندما غادر الامارات المايسترو علاء مجيد الى السويد وكون فرقة طيور دجلة وفي احدى مهرجانات الفرقة قد وجه دعوة للفنان القرغولي للمشاركة في حفلهم وعند نهاية المهرجان تعرض القرغولي لمرض الكنكرينا في احدى ساقية نتيج ارتفاع لمرض السكر في الدم مما استدعى بترها من قبل الاطباء. فكان علاء مجيد وفرقة طيور دجلة هم من سهروا جميعآ على راحته وعيادته. وعندماتماثل للشفاء التام. قرر الاحتفاء با ابا شوقي فاقامو له حفل خاص توافد عليه العراقيين والعرب المقيمين في السويد وبعض المدن الاوربيه .يقول المايستروا علاء مجيد: عند بداية الحفل رحب القرغولي بالحضور الغفير وتحدث بحب العراق وذكرياته مع مرحلة الابداع وعن تاريخه الفني الطويل والحزن والوجع كان واضحآ في عينيه ولم ارى هذا الحزن في عيونه سابقآ .وبعدها غنى للحاضرين. اعزاز والله اعزاز .وشوكهم شوك الشواطي بليل دجلة .فلم يستطع ان يكمل الا وعيناه تفيض بالدموع فبكي هذا العملاق العاشق للعراق وقد ابكى جميع الحاضرين من كافة نسيج المجتمع العراقي . بكى القرغولي وابكى كل نوارس دجلة والفرات بمشاعر ارسلها لبغداد تحت برد السويد القارص مودعآ ايانا وكل ايامه الجميلة التي عاشها باكناف الوطن الواحد . حينما انشد. . مدللين احباب قلبي مدللين... والفراك بعينهم شوك الحمام الجاي لاهــلــة .. والعتب بشفاهم ود وحنين اعزاز.

وفاتــه .

توفي الفنان طالب القره غولي قبل ظهر يوم الخميس الموافق 16 مايو 2013 في مستشفى الحسين بمدينة الناصرية بعد صراع طويل مع مرض السكري واهمال الحكومه العراقية واقيم له عزاء في مدينته الأم ناحية النصر الذي حظره الكثير من أبناء جيله واصدقائه منهم حسين نعمه وياس خضر وغيرهم فيما غاب الدعم الحكومي المتمثل بوزارة الثقافة والحكومه المحليه لذي قار. وكان القره غولي قد أدخل المستشفى في اليوم السابق ليوم وفاته بعد تعرضه لوعكة صحية حادة وفارق الحياة قبل ظهر اليوم التالي بعد ان تعرض في وقت سابق لبتر ساقه اليمنى.

رحم الله فنان الشعب العراقي موسيقارالاجيال شيخ الملحنين العراقيين الفنان طالب القرغلي.

فديو اغاني والحان طالب القرغولي